سورة المسد - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المسد)


        


{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)}
{تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ}.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا عبد الله بن نمير قال: حدّثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أنزل الله سبحانه: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} [الشعراء: 214] أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى: «يا صباحاه»، فأجتمع إليه الناس بين رجل يجيء وبين رجل يبعث رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبد المطلب يا بني فهر يا بني عدي أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذ الجبل يريد أن تغير عليكم صّدقتموني؟»قالوا: نعم، قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: تباً لكم سائر هذا اليوم، وما دعوتموني إلا لهذا؟ فأنزل {تَبَّتْ} أي خابت وخسرت، {يَدَآ أَبِي لَهَبٍ} أي تب هو أخبر عن يديه والمراد به نفسه على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كلّه كقوله سبحانه: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] و{بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [البقرة: 95] ونحوها، وقيل: اليد صلة يقول العرب: يد الدّهر ويد الرزايا والمنايا، قال الشاعر:
لما أكبّت يد الرزايا *** عليه نادى ألا مجير
وقيل: المراد به ماله وملكه يقال: فلان قليل ذات اليد، يعنون به المال.
والتباب الخسار والهلاك، سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت محمد بن مسعود السوري قال: سمعت نفطويه قال: سمعت المنقري عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه سمعوا صوت هاتف من الجن يبكي.
لقد خلّوك وأنصرفوا *** فما عطفوا ولا رجعوا
ولم يوفوا بنذرهم *** فتبّاً للذي صنعوا
وأبو لهب هو ابن عبد المطلب واسمه عبد العزي فلذلك لم يسمّه، وقيل اسمه كتيبة، قال: مقاتل كنّي أبا لهب لحسنه وأشراق وجهه، وكانت وجنتاه كأنهما تلتهبان.
{وَتَبَّ} أبو لهب الواو فيه واو العطف، وقرأ عبد الله وأُبي {وقد تب} فالأول دعاء والثاني كما يقال غفر الله لك، وقد فعل وأهلكه الله وقد فعل، والواو فيه واو الحال.
وقراءة العامة {أَبِي لَهَبٍ} بفتح الهاء، وقرأ أهل مكة بجزمها، ولم يختلفوا في قوله: {ذَاتَ لَهَبٍ} أنه مفتوح الهاء؛ لأنهم راعو فيه روس الأي.
أخبرنا الحسين بن محمد قال: حدّثنا السني قال: حدّثنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي قال: حدّثنا شريح بن يونس قال: حدّثنا هشيم قال: أخبرنا منصور عن الحكم عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: لما خلق الله القلم قال: أكتب ما هو كائن فكتب فمما كتب: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ}.
وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو الطيب محمد بن عبد الله ابن المبارك الثعيري قال: حدّثنا محمد بن أشرس السلمي قال: حدّثنا عبد الصمد بن حسان المروِّ الروذيّ عن سفيان عن منصور قال: سئل الحسن عن قوله: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ} هل كان في أم الكتاب وهل كان يستطيع أبو لهب أن لا يصلى النار؟ فقال الحسن: والله ما كان يستطيع أن لا يصليها وإنها لفي كتاب الله قبل أن يخلق أبو لهب وأبواه.
ويؤيد هذا ما أخبرنا أبو طاهر بن خزيمة في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة قال: أخبرنا جدّي أمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة قال حدّثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا معاوية بن عمرو قال: حدثنا زائدة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «احتج آدم وموسى فقال موسى: يا آدم أنت الذي خلقك الله سبحانه بيده ونفخ فيك من روحه أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة، فقال آدم: وأنت موسى الذي أصطفاك الله بكلامه تلومني على عمل أعمله كتبه الله عليّ قبل أن يخلق السموات والأرض، قال: فحج آدم موسى».
وأخبرنا محمد بن الفضل قال: أخبرنا جدي قال: حضر مجلس إسحاق بن إبراهيم وأنا على نمير الركاب فقرأ علينا قال: أخبرنا النظر بن شميل قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن عمار ابن أبي عمار مولى بني هاشم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لقي موسى آدم فقال: أنت آدم الذي خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وأسكنك جنته فأخرجت ولدك من الجنة، قال له: يا موسى أنت الذي أصطفاك برسالته وكلّمك، فأنا أقدّم أم الذكر؟ قال: الذكر، فحجّ آدم موسى فحج آدم موسى».
وأخبرنا محمد بن الفضل قال: أخبرنا جدّي قال: حدّثنا عبد الله بن محمد الزهري قال: حدّثنا سفيان قال: حدّثنا أبو الزياد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحتج آدم وموسى فقال موسى: يا آدم أنت أبونا خيّبتنا وأخرجتنا من الجنة قال: آدم: ياموسى أصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده أتلومني على أمر قدّره الله تعالى قبل أن يخلقني بأربعين سنة، فحج آدم موسى فحج آدم موسى».
{مَآ أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} قال: ابن مسعود: «لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرباءه إلى الله سبحانه قال أبو لهب لأصحابه: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فأني أفتدي نفسي وملكي وولدي، فأنزل الله سبحانه {مَآ أغنى}» أي ما يغني، وقيل: أي شيء أغنى عنه ماله من عذاب الله.
قال: أبو العالية: يعني أغنامه، وكان صاحب سائمة ومواش، وما كسب: يعني ولده.
قرأ الأعمش {وما أكتسب}، ورواه عن ابن مسعود.
أخبرنا الحسين بن محمد قال: حدّثنا أحمد بن حنبل قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ابن خيثم عن أبي الطفيل قال: كنت عند ابن عباس يوماً فجاء بنو أبي لهب يختصمون في شيء بينهم فاقتتلوا عنده في البيت فقام يحجز بينهم فدفعه بعضهم فوقع على الفراش فغضب ابن عباس فقال: أخرجوا عني الكسب الخبيث، يعني ولده أنهم كسبة.
دليل هذا التأويل ما أخبرني ابن فنجويه [..............].
أبو حمزة قال: حدّثني عمارة بن عمير التميمي عن عمته سودة قال: قالت لعائشة آكل من مال ولدي فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أطيب ما أكل أحدكم من كسبه وأن ولده من كسبه».
{سيصلى} هو سين سوف وقيل سين الوعد.
وقراءة العامة بفتح الياء الاولى وقرأ أبو رجاء بضم الياء، وقرأ شهب العقيلي بضم الياء وتشديد اللام.
{نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ}.


{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}
{وامرأته} أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان، وكانت عوراء. {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} يقال: الحديث والكذب قال: ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: كانت تمشي بالنميمة، يقول العرب: فلان يحطب على فلان إذا ورشى وأغزى، قال: شاعرهم:
من البيض لم يصطد على ظهر لامة *** ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب
يعني لم يمش بالنمائم، وقال آخر:
فلسنا كمن يرجى المقالة شطره *** يفرق العصاه الرطب والغيل اليبس
وروى معمر عن قتادة قال: كانت تعيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر وكانت تحتطب فعيّرت بذلك، وهذا قول غير قوي، لأن الله سبحانه وصفهم بالمال والولد وحمل الحطب ليس بعيب، وقال: الضحاك وابن زيد: كانت تأتي بالشوك والعصاة فتطرحها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعقرهم، وهي رواية عطية عن ابن عباس، قال الربيع بن أنس: كانت تنشر السعدان على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطأه كما يطأ الحرير والفرند.
مرة الهمداني: كانت أم جميل تأتي كل يوم بأبالة من الحسك فتطرحه على طريق المسلمين فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة أعيت فقعدت على حجر تستريح فأتاها ملك فحدّثها من خلفها فأهلكها.
وقال سعيد بن جبير: حمالة الخطايا. دليله قوله سبحانه: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ} [الأنعام: 31]، وقول العرب: فلان يحطب على ظهره إذا أساء، فلان حاطب قريته إذا كان الجاني فيهم، وفلان محطوب عليه إذا كان مجنياً عليه.
وقراءة العامة بالرفع فيهما وأختاره أبو عبيد وأبو حاتم ولها وجهان: أحدهما: سيصلى ناراً هو وامرأته حمالة الحطب، والثاني: وامرأته حمالة الحطب في النار أيضاً.
وحجّة الرافعين ما أخبرنا محمد بن نعيم قال: أخبرنا الحسين بن أيوب قال: أخبرنا علي ابن عبد العزيز قال: أخبرنا أبو عبيد قال: حدّثنا حجاج بن هارون قال: في قراءة عبد الله وامرأته حمالة للحطب، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن محتضر والأعرج وعاصم {حَمَّالَةَ} بالنصب ولها وجهان: أحدهما الحال والقطع لأن أصله وامرأته الحمالة الحطب فلما القيت الألف واللام نصب الكلام، والثاني على الذم والشتم كقوله سبحانه: {مَّلْعُونِينَ} [ألأحزاب: 61].
وروى ابن أبي الزياد عن أبيه قال: كان عامة العرب يقرؤون حمالة الحطب وقرأ أبو قلابة وامرأته حمالة الحطب على فاعله، والحطب جمع واحدتها حطبة.
وقال: بعض أهل اللغة: الحطب ها هنا جمع الحاطب وهو الجانب المذنب يعني أنَّها كانت تحملهم بالنميمة على معاداته، ونظيره من الكلام راصد ورصد وحارس وحرس وطالب وطلب وغائب وغيب، والعلة في تشبيههم النميمة بالحطب هي أن الحطب يوقد ويضرم كذلك النميمة، قال: أكثم بن صيفي لبنيه: أياكم والنميمة فأنَّها نار محرقة وأن النمام ليعمل في ساعة مالا يعمل الساحر في شهر، فاخذه الشاعر فقال:
أن النميمة نار ويك محرقة *** فعد عنها وحارب من تعاطاها
ولذلك قيل: نار الحقد لا تخبوا.
والعلة الثانية: أن الحطب يصير ناراً والنار سبب التفريق فكذلك النميمة، وأنشدني وأبو القاسم الحبيبي قال: أنشدني أبو محمد الهاراني الجويني قال:
إنّ بني الأدرم حمالوا الحطب *** هم الوشاة في الرضا وفي الغضب
عليهم اللعنة تترى والحَرَبَ.
{فِي جِيدِهَا} عنقها، قال ذو الرمة:
فعينك عينها ولونك لونها *** وجيدك الا أنها غير عاطل
وجمعها أجياد، قال: الأعمش:
وبيداء تحسب آرامها *** رجال إياد بأجيادها
{حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} أختلفوا فيه فقال ابن عباس وعروة بن الزبير: سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً يدخل من فيها فيخرج من دبرها ويلوى سائرها في عنقها، وقال السدي: خلق الحديد وهي السلسلة تختلف في جهنم كما يختلف الحبل والدلو في البئر، وروى الأعمش عن مجاهد: من حديد، منصور عنه: المسد: الحديدة التي تكون في البكرة، ويقال له المحور، وإليه ذهب عطاء وعكرمة، الشعبي ومقاتل: من ليف، ضحاك وغيره: في الدنيا من ليف وهو الحبل الذي كانت تحطب به فخنقها الله تعالى به فأهلكها، وفي الآخرة من نار، قتادة: قلادة من ردع، الحسن: إنما كانت خرزات في عنقها، سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة في عنقها فاخرة فقالت لأنفقها في عداوة محمد، ابن زيد: حبال من شجر ينبت في اليمن يقال لها: المسد وكانت تفتل، المروج من شهر الحرم والسلم والمسد في كلام العرب كل حبل غيروا أمر ليفاً كان أو غيره، وأصله من المسد وهو الفتل، ودابة ممسودة الخلق إذا كانت شديدة الأسر، قال: الشاعر:
مسد أمر من أيانق *** ليس بأنياب ولا حقائق
وجمعها أمساد قال: الأعشى:
تمسي فيصرف بابها من دوننا *** غلقاً صريف محالة الأمساد
وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد النيسابوري يقول: سمعت أبا نصر أحمد بن محمد ابن ملجان البصري يقول: سمعت بشر بن موسى الأسدي يقول: سمعت الأصمعي يقول: صلّى أربعة من الشعراء خلف أمام اسمه يحيى فقرأ {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فيتعتع فيها فقال أحدهم:
أكثر يحيى غلطاً *** في {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}
فقال الثاني:
قام طويلا ساكتاً *** حتى إذا أعيا سجد
فقال الثالث:
يزجر في محرابه *** زجير حبلى لولد
فقال الرابع:
كأنّما لسانه *** شدّ بحبل من مسد
وفي هذه السورة دلالة واضحة على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك أن الله سبحانه أخبر عن مصير أبي لهب وامرأته إلى النار وكانا من أحرص الناس على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يحملهما ذلك على اظهار الإيمان حتى يكذبا رسول الله صلى الله عليه وسلم بل داما على كفرهما حتى علم أن وعيد الله سبحانه إياهما وإخباره عن مصيرهما إلى النار حق وصدق.